Monday, November 12, 2007

حديث وليد خطاب

لم يكن وضع صورته الشخصية في بداية هذه التدوينة هي الباب الصحيح للدخول إلى جنته الممتدة بطول مجموعة أدبية في طريقها للنشر ضمن الاصدار الاول لتجمع ورقة وقلم ... فملامحه ذات الثلاثة وعشرين سنة ..ونظرته المسافرة إلى هناك ..لن تشي بما يخفيه خيال وليد خطاب من حكايا لها كعم الحنين .

هذا لم يمنع من قطف احدى الزهرات هنا ...وادرجت تعليقي المتواضع عليها ...نشتم معا ريح جنته


حديث النبذ

(1)

أول لحظات الإنفصال ..

ما كانت تعني لهما ...

سوى آخر إنقطاع للرؤية ..آخر بسمة تخلق على شفاههم بصدق .. أو آخر دمعة تمحو قسوة من لا يدركون ..

بحسم .. ينزعون جسديهما المستسلمين من عربة الإسعاف ... بحسم يضعونهما على الأسرة ذات العجلات الحديدية .. بحسم تتواطؤ الأسرة مع قادتها وتنساب في خشونة على بلاط الممرات المشبعة برائحة أرواح من ماتوا هنا ...

يشير الطبيب المتمرس على إبداء العجلة إلى قواد التوابيت المكشوفة أن يدخلوهما في غرفتي الرعاية المتجاورتين ..ليشرع في ممارسة طقوس الإنقاذ .. يستعيد في سرعة ما تراكم في عقله من صفحات المراجع الصفراء عن الغيبوبة .. نقص أكسجين .. نزيف .. ورم .. صرع .. تسمم.. يجري فحوصاته الأولية متحسسا ما قد يكون سببا للعطب الذي أوقف الآلة الحية ..

" ايها الطبيب .. الفتاة تعاني من انهيار هناك .. في الغرفة المجاورة " يصرخ بها الممرض ..فيسارع الطبيب للغرفة الأخرى .. هبوط حاد وكأن القلب قد قرر الكف عن الدعم .. وإشارات مخ كهربية مضطربة كانت كافية ليتملك عجز نقص الخبرة كل حواسه ..

" نفس الأعراض على الشاب .. " يقولها الممرض أثناء إندفاعه إلى الغرفة فيقتنصها الطبيب لينتزع نفسه من العجز ..عله لا يجده قد سبقه إلى الغرفة الأخرى .

" حسنا إني قادم" .

في غرفة الشاب تتسارع عجلة الموت في الإندفاع نحوه . العرق يغمر جبهة الطبيب .وصوت الممرض يخترق أذنه " الفتاة ..."

زفرة حارة من صدره تنطلق مع ساقيه لغرفة الفتاة . يكاد يرى جراب الحياة يغلق . يحاول ان يمد يده ليجعله مفتوحًا قليلا .

= الشا...

- اللعنة .

يندفع نحو غرفة الشاب وقبل ان يمد يده " إئتوا بالفتاة جوراه".

بآلية من لا يرى سوى ...نوبات عبث قلبية .. إشارات مخ كهربية مرسومة على حائل صغير .. يعود بكله إلى الفتى ولا يشعر بالفتاة التي يدلف حاملها الحديدي ليضعها بجوار الشاب ...

"وكأن العصافير ذهبت .. وتركت روضة عامرة في سكون يمتد بطول الأبد "

يتذكر جملة أستاذه التي كان يصف بها الموت دائما .. ليدرك بعد لحظات أن العصافير توقفت عن التغريد .... ولكنها هذه المرة ما زالت هنا...

.. يجمد للحظات أمام الفتى والفتاة مستقري الأنفاس الراقدين كملائكة .. ينظر إلى مساعدته في وجوم ويغادر حالتيه مستقرتين .. عادة في مثل هذا الموقف يشعر برضا منقذ كوني عن نفسه .. ولكنه هذه المرة موقن أن لا فضل له في الأمر .


(4)

يقتربان من امتداد جسديهما المتمددان بلا حراك على أسرتهما .. غارقان في غيبوبة يتضاءل إلى جوارها وعي أبيهما وأمهما المعتصرين بآلام الفقد .. يتقاذفهما حنين ونفور يتنازع نفسيهما .. تقترب من ولدها لتمسح على شعره هابطة بكفها على وجهه نابت اللحية الناطقة بفتى يستقبل الرجولة تهبط على عنقه نافرة العضلات برغم الغيبوبة فتتذكر أيام كانت تلك العنق بضة ناعمة تشبعها تقبيلا منغمس بضحكات صغيرها الفرحة .. يميل على طفلته الفتاة التي يأبى خياله تشبيهها بالأميرة النائمة في غيبوبتها يود أن يفعل كما كان .. أن يحتضن جسدها الضئيل ويداعب مقدمة أنفها لتفتح عينيها باسمة كما كانت .. تصده أحافير الأنوثة النافرة بتضاريس جسدها واضعة بعض الإشارت الحمراء .. بعض العلامات التحذيرية .. لتقتنص منه كامل الحرية في التعامل مع جسدها التي كان يمارسها قبل أعوام مضت .

حين زفوا إليها بشرى جنينتها الفتاة .. شعرت بالفرحة تصب في أعماقها وسط آلام المخاض ومحاولات جنينها الآخر للخروج .. وحين خرج .. زفوا إليها بشرى جنينها الولد .. فشعرت تلك المرة بالنصر .. بأنوثتها تكمل ما نقص منها من ذكورة في جنينها .. حين زفوا إليه بشرى الفتاة .. شعر بحنانه المختنق بذكورته يتمرد فرحا بفتاة سيمارس معها ما حظر عليه منذ تصلب جفاف الرجولة على ملامحه وأفعاله .. ومع بشرى الولد شعر بأمله يمتد عمرا إلى جوار عمره .. وببعض ما إندثر من أحلام يعود ليطالب بحق في الحياة .

تنتزعهما أصوات أجهزة مراقبة النبض وإشارات المخ المعلقة بجسد الفتى المتوترة للحظات تستقر بعدها على خط مستقيم واصل بين الموت والحياة .. مشدوهان يقفان أمام جثة الفتى بينما تعود خلجات الوعي تصب على ملامح الفتاة .


*******************

تملك القصة لغتها الخاصة التي تكمل بنء العالمين المتوازيين المرسومة تفصيلاتهما بدقة متناهية ... العالم الطبيعي ..واللعنة التي أصابت الفتى والفتاة.

لغة هادئة تتراوح بين الحكي والتقرير ...بصيغة مضارعة لتحريك الاحداث التي تسير في خطين متوازيين لا في عالمه ...تحمل الكثير من الجمل التصويرية التي رغم ثقلها البادي إلا انها تناسب ذلك الجو الأسطوري الغامض الذي تحسه منذ المفتتح.

ترتفع لغة الحوار في المشاهد التي تدور أحداثها في عالم اللعنة ...وتبدو عادية في العالم الواقعي .... يصيغ جمل ذات بعد فلسفي مثل تعبيره عن الموت ...أو انتظار الطعام ...ويرسم ملامح نفسية الأب والأم واحساسيهما بطفليهما بدقة تثير الدهشة .

قدم من خلال القصة علاقة بين ضدين بكل تجلياتها الذكر والانثى والخير والشر والموت والحياة والحب والكراهية والفناء والبقاء ...متعمدا أن تبقى تلك الاضداد شديدة الوضوح ليس فقط من خلال المقاطع المتقاطعة للعالمين المتوازيين ولكن أيضا من خلال المقطع الواحد سواء في علاقة الفتى والفتاة في عالميهما الحقيقي وبعد اللعنة أو في الحدث الذي يدور حوله المقطع.

التفاصيل الكثيرة المنتشرة على طول القصة جعلتها متشعبة بطريقة مرهقة على ذهن المتلقي خصوصا مع تضمين الجملة الواحدة أكثر من معلومة ومع عدم مباشرة الأحداث نظرا لطريقة المعالجة التي قدم بها القصة ... قد يقدم ذلك على أنه عيب ..ولكني أراه خطوة في التطور لديه أن تبنى القصةعلى عدة مستويات للتفسير لكل منها مفاتيحها الموجودة داخل النص.

يتميز وليد دائما بتقديم شكل للعلاقات الانسانية ذات أبعاد جديدة ربما لانه يتعاطاها من زوايا غير مستهلكة وبمعالجة تجعلها مثيرة للتفكير.

كما أن تسلسل السرد بدا جيدا جدا فيما عدا استباق مشهد وفاة الفتى ...قبل المشهد المقابل ليه في اللعنة ... فغامت نقطة النور وسببت ارتباك يجعل القاريء يعيد القراءة مرة أخرى عله يجد بداية الخيط ليص إلى نهايته.

تجبرك هذه القصة على إعادة قراءتها ربا لفهمها أو لمجرد الاستمتاع بالجمل المحبوكة الصنع وربما للبحث عن تلك المعاني المختفيه وراء الأحداث التي تبدو للوهلة الاولى غير منطقية ...المهم ان تستعيد قراءتها.

* ملحوظة هذا جزء من القصة وليست القصة كلها ...

Sunday, October 21, 2007

مساحة للدهشة

ما أعنيه بالتحديد هو إننا عندما نقرأ فإن ما يهمنا بالأكثر هو مقدار المتعة المتولدة عن ذلك، ولا يشغلنا موضوع المعنى العميق أو ما وراء الشكل كثيرا. وإن كنت أتفق مع ذلك في ضرورة جمال الشكل الظاهري للعمل الفني، ولكن هناك سؤال ما هو تعريف هذا الجمال ، ما هي مظاهره؟
لا توجد عندي إجابة على هذه الأسئلة ، وفي رأيي أنه لا توجد إجابات محددة، حتى وإن حاولنا أن نبني هذه الآراء على أساس التفضيلات الجمالية لجمهور واسع من الناس؛ فهناك دائما من سيخرج عليك بنظرية عن ثقافة وذوق النخبة الذي يميل للتجريد والتأمل وذوق العامة الذي يميل للحسية و المباشرة.
لذلك لكي أحدد كلامي فأقرر أن قوة العمل الأدبي تنبع من شيئين (إحكام البنية والصياغة- والمعنى المختفي وراء النص)وكما قلت من قبل إنني شخصيا لا أستطيع أن أدعي أني حكم عدل في أي من تلكما النقطتين.. لذلك فكل ما أستطيع القيام به في أي من المقالات القادمة أن أتكلم عن ذوقي الشخصي.

عن "الصياغة والمعني" عند "محمد المخزنجي" أتحدث اليوم.

أحب أن أبدأ بداية ناعمة بعض الشيء؛ فأتكلم عن بداية معرفتي بالكاتب.
لم أكن أتذكره عندما وجدت أول مجموعة أشتريها له"أوتار الماء" نظرت للاسم وفكرت "أنا أعرف هذا الشخص، ولكن متى.. أين؟" ثم تذكرت بعد قراءتي مراسل مجلة" العربي" الكويتية الذي يطوف العالم يتأمل ويبدع استطلاعات متفردة.. ذهبت معه إلى الصين لأشاهد "ملاكمة الظلال البطيئة" ومرة "لصلالة"في جنوب عمان لأشاهد الخريف فيهاعلى حافة المحيط الهندي، ومرة صعدنا للتبت لنشاهد عملية إخراج الألم بالصوت.
كل تلك الخبرة المرئية بالإضافة لدراسته وممارسته للطب النفسي. هوايته الأثيرة في التأمل تجعلني أضع كلمة بين كلمتي"الصياغة والمعنى" هي كلمة "العاطفة" وما أعنيه بها هي ترجمة الكلمة الإنجليزية
Passion
وليست العاطفة بمعناها الرومانسي، وإن كان موجودا-بطبيعة الحال- في بعض قصصه.
و"العاطفة" عندي هي مكون رئيسي في أي قصة لأي كاتب، ولا يمكنني إدارجها في مكونات"الصياغة" وكذلك هي لا تدخل في المعنى العميق، بل هي فوق النص ممتزجة به في آن.. هي الموسيقى السارية فيه. نعم تؤثر عليه الصياغة عن طريق اللغة المستخدمة وتكنيك الحكي وإيقاعه، ولكن بالرغم من كل ذلك تبقى شيء من الصعب الإمساك به، والأكثر من ذلك يختلف تلقيها من شخص لآخر اختلافا قد يكون كليا.
عندما ندلف إلى عالم"المخزنجي" فأول ما يواجهنا هي كلمات"الدهشة والتأمل والبساطة" ثم بمزيد من القراءة نتأكد من شيئين"تفرد الصوت ومساحة الكتابة"ولكي لا أطيل في الكلام النظري أبدأ بالأمثلة العملية.
أبدأ بالاختيار من مجموعته "أوتار الماء" وربما هي أشهر مجموعاته لطباعتها في مكتبة الأسرة، وفوزها بجائزة مسابقة "سوايرس".

"تلك الحياة الفاتنة"أول قصص المجموعة وأبلغ مثال لهذا الكلام.
بنية القصة غاية في البساطة هي عبارة عن خواطر في ذهن البطل تدور وهو في طريقه لزوجته الراقدة في المستشفى إثر عملية جراحية ليحضر لها بعض الثياب من البيت.تدور القصة في شكل"مونولوج-ديالوج" يوجه لها خطابه ويستحضرها معه يود أن يقولها لها خواطره وهو يعرف رد فعلها ، استخدم الكاتب تلك التقنية في قصته الرائعة"رجال" من مجموعة"البستان"، ولكن بشكل مختلف قليلا.. المهم أول عنصر نجده واضحا"سهولة البنية"ومعه نكتشف اللغة. واللغة موضوع كبير جدا ومتشعب، ربما لحد لن يصدقه القاريء، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتحدث عن لغة هذه القصة تحديدا دون محاولة للحديث عن اللغة عند الكاتب-وهي تستحق حديث مفصل.
يستخدم الكاتب هنا اللغة بوعي من أول جملة من أجل ترسيخ العنصر الخفي في القصة"العاطفة".اللغة مليئة بالتشبيهات وكلمات العاطفة التي تدخلك في الحالة النفسية المرادة.جملة البداية هي"لك أنت أيتها المسالمة أحكي هذه المرة" وبعد
ذلك نكتشف أنها غير موجودة ومن هنا ينشأ"المونولوج- الديالوج" الذي تكلمنا عنه، ولكن فلنتأمل اللغة بعد ذلك.
"ويالتجسد الإحساس بغيابك في فراغ البيت. يالتلك الظلال المفعمة بالشجون التي يصنعها شيش النوافذ التي تركتها مغلقة. يالجفاف الأكواب والحوض وصمت البيت دونك..؟أما أشياؤك الخاصة فإنني لم أكن أتخيل أن تكون الأشياء قادرة على الإيحاء إلى هذا الحد العاصر للقلوب"
كل هذه العاطفة والشجن جديرين بالمدرسة الرومانسية القديمة باتكاءها على اللغة وإثارة العاطفة والإحساس بالشجن، وأعتقد أننا كلنا نذكر"صخرة الملتقى"، ولكن هنا الموضوع يختلف.. ففي الفقرة التالية مباشرة يصل لهدفه"فماذا لو أنك ذهبت وتركت لي كل هذه الأشياء التي تشع نظافة والتي نامت مطوية ومرتبة برهافة ودقة تحت أنامالك. الموت شيء مرعب، ليس في حد ذاته، ولكن بما يتركه للأحياء من بقايا حياة الراحلين "
هذا ما كنت أقصده"التأمل والدهشة"هو استفاد من الرومانسية بتوحيد مشاعرك معه في تلك اللحظة وأوقفك معه داخل الشقة تتأملها ثم أمام الدولاب للتتخيل شكل المناشف والثياب المرتبة وتتأملها معه ثم يقفز بك من التأمل للحظة الاكتشاف المدهش.
وما إن نكمل باقي القصة حتى نعثر على باقي العناصر التي تكلمنا عنها"تفرد الصوت ومساحة الكتابة"فهو يخرج بعد ذلك من الشقة. يركب الميكروباص الذي يمر من أمام السفارة المكسيكية. يصف الشارع ومبنى السفارة برقة المتأمل المستمتع بالجمال ولا ينسى ديالوجه معها"أنت تحبين ذلك الشارع من شوارع المعادي".ثم يلقي مفاجأة النهاية التي يحددها بالـ"الرؤية" وليست الـ"الرؤيا" الأولى بمعنى المشاهدة والثانية بمعنى الحلم المستقبلي.
يحكي قصة القط الذي كان في الشارع يلاعب أحد الفراشات فدهسته عجلات الميكروباص المسرع. هنا يشاهد القط وهو يصير أثنين، أحدهما يهرب لحديقة السفارة والآخر تدهسه عجلات السيارة
.
يصل لأعلى درجات العاطفة حين يقول"أعرف يا سكني أن أحدا لن يصدقني مثلك. وأعرف أن تصديقك لي ليس مماشاة مجنون تحبينه، لكنه تصديق شريكك في الإيمان بأن الكون من حولنا مليء بالمدهشات التي لم تعرف قوانينها فنسميها"معجزات"أو "خوارق". وأعرف أنك طيبة إلى درجة الفرح بكل معجزة شجية"ولكنه في نفس الوقت يكون قد أدخلك في "منطقته في الكتابة"تلك المنطقة المتمردة على غرور العلوم التطبيقية وادعاؤها بالإحاطة بكل شيء علما.
منطقة التمرد على قسوة العالم وتبلد المشاعر. فيعطيها تفسيرين، كلاهما أجمل من الآخر ويوضحان الكاتب تماما.
"بقوانين عالمنا المحسوس، يا سكني، اندفعت القطة فدهستها عجلات السيارة، لكنها بحسابات الروح وبما كانت فيه من فرح اللعب، ثم مواجهة المباغتة الخئون للخطر الداهم، قفزت قفزة الحياة في وجه الموت.. فنجت "
هنا الميكروباص يمثل قسوة ذلك العالم في مواجهة القط الضعيف. المواجهة محسومة مسبقا، ولكن بحسابات الروح نحن لا نريد أن يموت القط.. لا نريد أن تموت زوجته الحبيبة أمام المرض الداهم.. لا نحب أن تدهس الحياة هؤلاء الناس الطيبين الذين نحبهم-كما يقول في نهاية القصة، فيوجد لهم مخرجا يناسب الحالة التي خلقها من أول كلمة في القصة" لك أنت أيتها المسالمة" هو يتكلم عن هؤلاء الغير مسلحين في معركتهم مع الحياة، ولكن قد يكون التعاطف غير كافي لتفسير الموقف فيضع تفسير آخر يمنطق القصة، وفي نفس الوقت يدخلها في مساحته الكتابية الأهم"التمرد على"غرور العلم"ويستخدم في ذلك العلم أيضا فيقول
"ولو شئت تفسيرا آخر، لحدثتك في ضوء نسيبة الزمان ودفء الراصد، فبينما كنت أنا الدافيء بكل ما يعتلج داخلي من تحنن عليك، وحيث أن الزمن يتلكأ أمام راصد دافيء، فقد لمحت اللحظتين معا. نعم يا سكني، لمحت اللحظتين، بل لمحت لحظة النجاة قبل الموت.. وهذا جائز عندما تبرق أذهاننا بسرعة تفوق سرعة الضوء، فنرى العلل قبل معلولاتها.. نرى النتائج قبل الأسباب"
هو هنا لا يستخدم النسبية فقط بل سنجد مبدأ عدم التأكد لهايزنبرج موجود بقوة -وهو من أهم مباديء نظرية الكم-فهو المبدأ الذي يتيح للجزيئات أن توجد في مكانين في آن واحد في غياب الراصد، وكذلك هو المبدأ الذي ألغى فكرة"السببية" التي بني عليها العلم الحديث، السبيبة تقول أنه إذا وجد جسم في النقطة "س" وعلمت سرعته والعوامل المؤثرة عليه، وعند عدم تدخل قوى خارجية، فإننا يمكننا التنبؤ بميعاد وصوله للنقطة"ص" هذا المبدأ ألغى تلك الفكرة ببساطة لأننا لا نعرف أين الجزيء بالضبط.بالطبع "هايزنبرج"كان يتكلم عن الجزيئات الذرية وما دونها، ولكن أتى أعتراض مشهور من عالم كبير هو "شرودنجر" بأن قال بما إن الكرات والقطط والبشر تتكون من نفس هذه الجزيئات، فلماذا لا نجد هذا الكلام صحيحا في حالتها؟ وضرب مثالا شهيرا عرف بـ"قطة شرودنجر" وهو ما رُدَ عليه بعدها بموضوع التداخل في حركة الجزيئات أو "التآثر"أو "الشواش". المهم لست بصدد التفصيل العلمي في تلك النقطة، ولكن عندما وجدت هذه القصة انتابني فرحة غير عادية بهذا المزج بين العاطفة والعلم والبساطة والتمرد على الواقع والبحث عن ثقوب للإفلات منه.. يؤمن الكاتب وأؤمن أنا أنها موجودة.
كل هذا المزيج صنع تفرد الصوت الخاص به.. فهو يمزج كل هذا ويسيطر عليه ويوجهه حيث يشاء ليصل لنقطة النهاية
"يا سكني، كثير من هؤلاء الناس الذين نراهم يمضون من حولنا في الحياة، دهستهم الحياة من قبل، مرة أومرات. لكنهم انتفضوا ليواصلوا المسير، فالحياة طيبة برغم كل شيء، وبرغم أنها في مثل تلك الحالات تغدو مثقلة بذكرى اللحظات الأليمة.. تغدو مفعمة بالشجن.. والشجن حزن جليل.. والجلال أعلى مراتب الفتنة.. يا سكني" لاحظ معي كم مرة تكررت كلمة "الحياة" هي لم تتكرر اعتباطا، فلكلمات هنا موزونة بميزان الذهب.. هنا هو يتكلم في جهتين فمن ناحية هو يبعث الأمل في نفس زوجته المتألمة التي انتزعوا رحمها توا وكانت على شفا الموت.يقول لها أنها ستقوم وتواصل المسير وإن بقيت تلك الذكرى الأليمة. يقول لها أن ذلك الشجن ليس عيبا بل هو أعلى مراتب الفتنة.. وهنا نفهم سر روعة ذلك النداء الذي يخاطبها به منذ بداية القصة ويكرره"يا سكني" حيث يقول في أول فقرات القصة"وأنك لم تكوني إلا قدرا محسوبا بدقة ليناسبني" وفي نهايتها توحد العاطفة بينهما عن طريق هذا النداء، وفي نفس الوقت الخطاب يتكلم عن الآخرين الذين أنت واحد منهم، حين تتذكر المرات التي دهستك فيها الحياة فتتوحد معهما في الحالة.

ونلتقي مع نفس الكاتب في المرة القادمة إن كان في العمر بقية.

Saturday, October 20, 2007

اصطباحنا فل بإذن واحد أحد

لأنه سيكون الأدب قد وصل لقمة الانحدار عندما يبدأ أمثالي في النقد
باسم
هذا وقد قامت هدى بأكبر أخطاء حياتها عندما وافقت على إدخالي هذه المدونة

Monday, October 8, 2007

جنة



في الواقع الذي يقترب بنا من حافة الجنون

نحاول أن نجد لأنفسنا ملاذا

نطرق أبواب مدن الفنون

التي تفوح من خلفها روائح الجنة

...


مرحبا بكم في جنة المجانين

حيث

الفنون


*باسم :اشكرك على الهامي عنوان المدونة