Wednesday, October 15, 2008

الطاحونة


عالم صغير.. كنت أظن أني مالكه..أيام ويسلب مني بعضه .. أعوام ويسلب مني كله.. أما الآن فأنا ملك متوج علي مملكة كنت أظنها ضخمه.. تترامي أطرافها من الإسطبل يسارا حتى الطاحونة وما يحيط بها من نخيل وما أمامها من حقول.. أخلق من التماثيل الطينية محاربين وعذارى وشياطين.. لا أرى في تلك المساحات الشاسعة من الحقول إلا مصدر للطمي الذي أصنع منه مملكتي.. ولا في الخيول التي تملأ الإسطبل إلا مصدرا لأصوات تستثير خيالي .. حتى عطوه لم يسلم من استبداد خيالي.. كنت أراه والطاحونة حدثين مترابطين .. أجلس منزويا بجوار باب الطاحونة المتهالك أرقب كفيه المعروقين يقبضان علي تلك اليد الخشبية الضخمة..
يدور.. ويدور.. ويدور .. بلا كلل أو ملل ..
يضطرب عالمي الصغير وتتماوج أطرافه حين يصبح هذا الرجل جزء منه .. بقامته العملاقة.. وشاربه الضخم المصفف في عناية وجلبابه المهندم الناصع البياض .. كنت أراه متنافرا مع هذا العالم بأتربته وطميه .. وبقايا الدقيق المتناثرة في أرجاء الطاحونة .. وملابس عطوه المهترئه ووجهه القمحي المشرب ببقع الدقيق البيضاء .. أشعر في هذه الفوضى بجمال داخلي لم يكن يكدره سوي هذا الذي الذي أناديه عمي .. لم أكن أدرك لهذه الكلمة ما تعارف عليه من حولي من معاني القرب والرحمة .
كنت أرى فيه وعطوه رمزين متضادين .. أحدهما عالمي الصغير والآخر رمز لكل ما يكدر تناغم مملكتي..



أجلس منكمشا خلف برميل الدقيق العملاق.. أقوم اليوم بواحدة من مغامراتي .. أكثر ما يستثير تعجبي هم هؤلاء الكبار وقد رفع عن كاهلهم تسلط وتحكم من حولهم.. كيف لا يتفننون في هذه المغامرات وهم آمنون من البطش والعقاب ..
تري هل أصبح مثلهم يوما ما .. ؟!
أخرج تماثيلي الطينية في حرص .. أمد يدي إلي أحد أجولة الدقيق.. أقبض علي بعضه وأضعه أمامي .. أنهمك في وضع طبقه من الدقيق علي التماثيل.. لترتدي تماثيلي الطينية رداء دقيقي ناصع البياض .
أفيق من مناجاتي لتماثيلي علي ذلك التماوج الذي يكتنف عالمي لأدرك أن عمي قد دخل إلي الطاحونة ..
أنكمش حتى يأخذ جسدي حيز أصغر من الفراغ .. يتناهي إلي صوته المرتفع ملقيا الأوامر إلي عطوه برفع بعض أجولة القمح من هنا ونقل بعض أجولة الدقيق الي هناك ، ما يقرب الساعة من الزمن وكانت الطاحونة قد حدث لها مجموعة من التباديل والتوافيق غيرت معالمها تماما وتركت عطوه وقد برزت عروق عنقه واختلط عرقه الغزير بالدقيق الذي يلطخ وجهه .
يلقي عطوه بجسده المنهك علي صندوق خشبي متهالك .. يرتفع صوت عمي لينتفض عطوه في وجل متجها الي اليد الخشبية .
يدور بصره في أرجاء الطاحونة .. تستوقف بعض خيوط العنكبوت نظره بعض الوقت .. فيقلب نظره فيها في امتعاض ملتفتا الي براميل الدقيق العملاقة ..
يتجه إليها في ثبات..
أعلم أنه مدركتي ..
فأضع كفي الصغيرة علي تماثيلي وأغمض عيني ...
من مجموعة مكتوب على الحافة
لوليد خطاب

5 comments:

هدى said...

منووووووووووووووووووووور

وليد خطاب said...

ده نورك يا قمري
انتي كده تقريبا دخلتي في نفس اللحظة اللي حطيت فيها القصة

إبـراهيم ... said...

و أنا جيت بعديكو إنتو الاثنين
************
من فضول القول أن أذكر أن القصـة "حلوة قوووي" يا وليـــد

ولكن لم يعجبني العنوان ... أيضًا

ولا أود أن أجرح النص بكتابة ...

أود أن أستعيد قرائتها ثانية

وليد خطاب said...

ربنا يكرمك يا ابراهيم
عينك هي اللي حلوة يا باشا
العنوان شوية بدائي فعلا
بس تعرف
ساعات العناوين بتبقى اصعب من النص نفسه

EMAN HASSAN KAMEL said...

الكتابات كلها روعة الله ينور بجد تحفةةةةةةةةةةةةةةةةة